کد مطلب:309773 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:287

القسمت 10


مكة یغمرها الظلام؛ والنجوم ترسل ضوءً واهناً... تتبض من بعید كقلوب مجهدة؛ نامت العیون ما خلا عیوناً حجریة تحیط بالكعبة ما تزال مفتوحة تحدّق ببلاهة و غباء.

وفی عالم هلامی كان رجل یركب بعیراً یخطر به حتّی اذا وقف «بالأبطح» صرخ عالیاً:

- یا آل غدر انفروا إلی مصارعكم!

خف البعیر براكبه فوق ظهر الكعبة وصرخ:

- یا آل غدر انفروا إلی مصارعكم.

طار البعیر نحو جبال مكة. هبط علی قمة «أبی قبیس» و صرخ الراكب مرّة اُخری:

- یا آل غدر انفروا إلی مصارعكم.

انتزع الراكب صخرة من الجبل ثم قذف بها بیوت مكة.. انفجرت الصخرة فی أسفل الوادی وأضحت حجارة متناثرة تساقطت كشهب


مجنونة فوق منازل مكة وأفنیتها.

استیقظت «عاتكة» امرأة من بنی عبدالمطلب. استیقظت مذعورة تجفف وجهها من حبات العرق، و ما تزال الرؤیا ماثلة أمامها.

كانت السماء تنث مطراً خفیفاً كدموع هادئة، وظلت «عاتكة» مستیقظه تحدق فی الظلام حتی اذا طلع الفجر أخذت طریقها إلی منزل «العباس».

كغراب أسود یدور البیوت، شاع خبر الرؤیا فی منازل مكة؛ وجثم الوجوم علی القلوب. تری ماذا تخبئ الأیام. وهرع بعضهم إلی أصنام نحتوها یتمسحون بها یلتمسونها الطمأنینة فلا تألوهم إلّا خبالا؛ و قدم بعضهم نذوراً للآلهة، تصاعد دخان لكن دون جدوی؛ القلق ما یزال یلوی القلوب كریح عاصفة.

غضب «أبوجهل» برقت عیناه حقداً و هو یصغی إلی تفاصیل الرؤیا و هتف بالعباس متهدداً:

- أما كفاكم یا بنی عبدالمطلب أن تتنبأ رجالكم حتی تتنبأ نساؤكم!... سنتربص بكم ثلاثه أیام.. فان مضت و لم یكن شی ء... فأنتم أكذب بیت فی العرب. ردّ العباس بغضب:

- یا مصفراً استه أنت أولی بالكذب منا.

مضت ثلاثه أیام؛ كصفحات من كتاب كبیر تنطوی وبدت صفحة


كبیرة من عالم مفتوح و ظهرت مكة، و یثرب و صحراء واسعة ملیئة بالرمال و الحوادث، وظهرت خیول وابل ورجال تجوب الأودیة.

استیقظت مكة مذعورة... صرخات «ضمضم» تبعث الرعب فی القلوب الخطر یهدد الآلهة؛ و آلهة قریش عبادة و تجارة:

- یا معشر قریش اللطیمة»... أموالكم مع أبی سفیان قد تعرض لها محمد و أصحابه.

كان منظره عی بعیر مجدوع الأنف، مشقوق القمیص إنذاراً بالخطر الداهم. و ثارت الحمیة حمیة الجاهلیة؛ صرخ أبوجهل:

- واللات والعزی ما نزل بكم أمرٌ أعظم من أن یطمع بكم محمد و أهل یثرب فانهضوا و لایتخلّف منكم أحد.

و تجهزت قریش، اظهرت كل حقدها الدفین تطلب رأس رجل هاجر إلی ربّه.

تجمّع الحاقدون فكانوا الفاً إلَّا خمسین، و من الابل ثلاثمئة و خمسون ومن الخیل مئتان.

وسارت قریش بخیلها و خیلائها بدفوفها وقیانها بخمرتها وآلهتها، سارت تشقّ بطون الأودیة.

وفی الصحراء كان أبوسفیان یقود القافلة، یسوقها سوقاً حثیثاً، عیناه تدوران فی محجریهما؛ تسعان الآفاق؛ تترصدان الآثار. و بین


الفینة و الاُخری كان یتوقف لیدقق فی أثر بعیر أو فرس، أو یفتت بعرة یبحث فیها عن أثر لغریم یترصده. ینتظر لحظه الثأر المقدس ولكن لا شی ء، الصحراء غامضة غموض البحر و الرمال هی هی بتموجاتها والسماء تزدحهم بغیوم رمادیة تمر فوق الرمال كسفن تائهة.

كانت القافلة تتقدم من آبار بدر، وقد عصف القلق بأبی سفیان وأطل الرعب من عینیه یخشی أن یسقط فی قبضة محمّد عدوّه اللدود.

سأل أبوسفیان اعرابیاً قرب الماء عن خبر محمّد، أجاب الاعرابی:

- لم أرَ أثراً لما تقول، ولكنی رأیت رجلین یستقیان فی الصباح.

- وأین مناخهما.

- هناك فوق ذلك التل.

أسرع أبوسفیان إلی حیث أشار الاعرابی.

- نعم هذا مناخ إبل...

وحانت منه التفاته فرأی بعرة فالتقطها كما یلتقط المرء جوهرة نادرة، فركها بكفیه فظهرت نواة تمر، صرخ أبوسفیان مرعوباً:

- هذه واللات علائف یثرب.

أسرع أبوسفیان إلی مناخ قافلته فحث رجاله علی اثارتها والاتجاه بها نحو ساحل البحر الأحمر، غادرت القافلة تاركة «بدر» إلی شمالها ممعنة بالفرار، وهكذا أفلت أبوسفیان ولو إلی حین.